الحمد لله الذي له الحمد كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم.
السعيد هو
الذي امتلأ قلبه بذكر الله
الذي إذا أمسى وأصبح ليس في قلبه غير الله جل جلاله
الذي أسعده الله في نفسه فاطمأن قلبه بذكره ولهج لسانه بالثناء عليه
الذي أقر الله عينه بالطاعات، وأسرَّه بالباقيات الصالحات
الذي أسعده الله في أهله وماله وولده فرأى قرة العين وحمد الله سبحانه وتعالى على القليل والكثير
الذي أسعده الله بين الناس، فعاش طيب الذكر، حسن السمعة، لا يذكر إلا بخير، ولا يعرف عنه إلا الخير
الذي إذا وقف على آخر أعتاب هذه الدنيا وقف بقلبٍ ثابت ولسانٍ ذاكر، وقد رضي عن الله وأرضاه الله
الذي إذا ذهبت ساعته وحانت قيامته تنزلت عليه ملائكة ربه تبشره بالروح والريحان والرحمة والغفران وأن الله راضٍ عنه غير غضبان
الذي ختم له بخاتمة السعداء فكان آخر ما نطق به من الدنيا: لا إله إلا الله
الذي أسعده الله في قبره، وأقر عينه في لحده، حتى إذا أدخل في ذلك القبر وعوتب في ذلك اللحد وسئل -إن ثبت الله له الجنان واللسان- فقال: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فنادى منادٍ من السماء: أن صدق عبدي، ففرش له من الجنان، وفتح له منها يأتيه من الروح والريحان، فقال السعيد: يا رب! أقم الساعة، يا رب! أقم الساعة، شوقاً إلى رحمة الله وحنيناً إلى عظيم ما ينتظره من فضل الله
الذي إذا بعث من قبره وخرج إلى حشره ونشره خرج مع السعداء، فتتلقاهم الملائكة ( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) [الأنبياء:103]
الذي إذا دنت الشمس من الخلائق، وأذل الله فيه كل عزيز، وأخرس ناطق، واشتد لهيبها وعظم حرها وذهب العرق في الأرض سبعين ذراعاً فاشتد الخطب، فإذا به في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله
الذي إذا وقف بين يدي ربه وقف موقف الكريم، فأعلى الله شأنه وأنطق بالخير لسانه، ونادى الله عليه بالبشرى بالجنة
الذي ينتهي مآله ويكون قراره إلى الجنة دار السعداء ومنزل الأتقياء
************
إن راحة القلب، وطمأنينته وسروره وزوال همومه وغمومه، هو المطلب لكل أحد، وبه تحصل الحياة الطيبة، ويتم السرور والابتهاج
والعاقل يعلم أن حياته الصحيحة حياة السعادة والطمأنينة وأنها قصيرة جداً، فلا ينبغي له أن يقصرها بالهم والاسترسال مع الأكدار فإن ذلك ضد الحياة الصحيحة، فيشح بحياته أن يذهب كثير منها نهباً للهموم والأكدار
واعلم أن حياتك تبع لأفكارك، فإن كانت أفكاراً فيما يعود عليك نفعه في دين أو دنيا فحياتك طيبة سعيدة. وإلا فالأمر بالعكس.
من أسباب تحصيل السعادة
1- وأعظم الأسباب لذلك وأصلها هو الإيمان والعمل الصالح، قال تعالى(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97].
فأخبر تعالى ووعد من جمع بين الإيمان والعمل الصالح، بالحياة الطيبة في هذه الدار، وبالجزاء الحسن في هذه الدار وفي دار القرار.
فالحياة الطيبة هي السعادة، وتحققت بالإيمان، والعمل الصالح
وجاء التعبير عن السعادة بنفي الشقاء، والضلال، وبذكر مقابلها، وهو الضنك،قال – تعالى-: "فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا" [طه:123-124]،
فالشقاء الذي هو ضد السعادة مقرون بالإعراض عن ذكر الله، وإتباع هدى الله هو سبيل البعد عن الشقاء، وتحقيق السعادة.
2- ومن أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينته الإكثار من ذكر الله، فإن لذلك تأثيراً عجيباً في انشراح الصدر وطمأنينته، وزوال همه وغمه، قال تعالى( أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28].
فلذكر الله أثر عظيم في حصول هذا المطلوب لخاصيته، ولما يرجوه العبد من ثوابه وأجره.
فطمأنينة القلب، وانشراح الصدر كلها من السعادة، وتتحقق بذكر الله
فتعلق القلب بالله وحده، واللهج بذكره والقناعة، أسباب لزوال الهموم والغموم وانشراح الصدر، والحياة الطيبة، والضد بالضد، فلا أضيق صدرا، وأكثر هما ممن تعلق قلبه بغير الله، ونسي ذكر الله، ولم يقنع بما آتاه الله
ومن الذكر الاستغفار قال النبي صلى الله عليه وسلم ((من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب)) [رواه أبو داود والنسائي] [6].
3- ومن أنفع أسباب تحصيل السعادة الدعاء , فإن الإلحاح في الدعاء كل وقت مع قوة الرجاء سبب لحصول مطالب الدنيا والآخرة.
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ( اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر ) رواه مسلم
وكذلك قوله( اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عينْ وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت ) رواه أبوداود بإسناد صحيح
فإن السعادة لا تنال إلا بتوفيق الله جل جلاله، فينبغي على من أراد أن يسعده الله في الدنيا والآخرة أن يكثر من الدعاء بأن يسأل الله عز وجل أن يحييه حياة السعداء فإن الله كريم، فلا تستكثر على الله أن يسعدك في أهلك ومالك وولدك، فإن الله مقلب القلوب والأحوال، وكم من شقي قلبه الله سعيداً في طرفة عين! فالله على كل شيءٍ قدير.
ومتى اعتمد القلب على الله، وتوكل عليه، ولم يستسلم للأوهام ولا ملكته الخيالات السيئة، ووثق بالله وطمع في فضله، اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم، وزالت عنه كثير من الأسقام البدنية والقلبية، وحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور ما لا يمكن التعبير عنه، قال تعالى( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ )
4- ومن الأسباب التي تزيل الهم والغم والقلق: الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل، وأنواع المعروف
5- ومن أسباب دفع القلق الناشئ عن توتر الأعصاب، واشتغال القلب ببعض المكدرات الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة. فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه. وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم والغم، ففرحت نفسه، وازداد نشاطه
6- ومما يدفع به الهم والقلق: اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل، وعن الحزن على الوقت الماضي، ولهذا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الهم والحزن
فالعبد يجتهد فيما ينفعه في الدين والدنيا، ويسأل ربه نجاح مقصده. ويستعينه على ذلك، كما قال النبي صلى الله عليه و سلم (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)رواه مسلم.
7- وكذلك التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة، فإن معرفتها والتحدث بها يدفع الله به الهم والغم، ويحث العبد على الشكر حتى ولو كان العبد في حالة فقر أو مرض أو غيرهما من أنواع البلايا.
فإنه إذا قابل بين نعم الله عليه - التي لا يحصى لها عد ولا حساب - وبين ما أصابه من مكروه، لم يكن للمكروه إلى النعم نسبة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم (عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن )رواه مسلم.
قال ابن مسعود – رضي الله عنه-: ( إن الله لقسطه وعدله جعل الروَّح والفرح في اليقين والرضا، وجعل الغم والحزن في السخط والشك )
أي: أن اليقين بالإيمان والرضا بالقضاء والقدر، وبما قسم الله للعبد هو سبيل للروح، أي: السعادة والإحساس بالراحة، وأن السخط على الواقع، وعدم الرضا بما قسم الله، والشك في حقائق الإيمان سبيل للهم، والحزن،والغم.
8- ومن أنفع الأشياء في هذا الموضع استعمال ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال( انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم )رواه البخاري ومسلم.
9- لفقدان السعادة أبوابا ينبغي إحكام إغلاقها
منها الذنوب والمعاصي التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه )) [رواه أحمد]
ومنها الحسد:فالسعادة حرام على من يشتعل الحسد في قلبه.وكيف يكون سعيداً وهو يرى نعم الله تنزل على العباد فيحسدهم.
قال تعالى (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)[النساء:54].
ومنها الطمع:فإن الطامع لا يمكن أن يقنع بشيء، ولو حِيزت له الدنيا.
ومنها الحقد والغل يقول إبراهيم الادهم: الحاقد يظل طوال وقته لا يفكر إلا في النيل من الذي يحقد عليه
ومنها الظلم: فإن الظلم مرتعه وخيم وعاقبته سيئة إلى أبعد الحدود
ومنها الكبر: المتكبر يعيش في شقاء دائم وتعاسة أبدية
ختاما
السعادة إذاً ليست في وفرة المال ولا سطوة الجاه، ولا كثرة الولد، ، السعادة أمر لا يقاس بالكم ولا يشترى بالدنانير، لا يملك بشر أن يعطيها، كما أنه لا يملك أن ينتزعها ممن أوتيها.
السعادة دين يتبعه عمل، ويصحبه حمل النفس على المكاره، وجبلها على تحمل المشاق والمتاعب، وتوطينها لملاقاة البلاء بالصبر، والشدائد بالجلد، والسعيد من آثر الباقي على الفاني ( إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً ) [مريم:96].
السعادة هي الرضا بالله والقناعة بالمقسوم والثقة بالله واستمداد المعونة منه، من ذاق طعم الإيمان ذاق طعم السعادة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا)) [رواه مسلم]
والسعادة التامة الكاملة هي في تحقيق العبودية لله، والنجاة من النار في الآخرة، ودخول الجنة، قال – تعالى-: " يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ " [هود:105-108].
فإذا كانت السعادة شجرة منبتها النفس البشرية، فإن الإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، هو ماؤها وغذاؤها وهواؤها وضياؤها، قال – تعالى-: ( ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّذِينَ امَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَـئَابٍ )[الرعد:28، 29].
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
منقول بتصرف من
1- الوسائل المفيدة للحياة السعيدة العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي
2- مفاتيح السعادة والخيرات العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي
3- السعادة في الإسلامد. عبد الله بن عبد العزيز الزايدي
4- السعادة المنشودة الشيخ سعود الشريم
5- ( السعادة ) للشيخ : ( محمد مختار الشنقيطي )
6-معوقات السعادة د. سلمان بن فهد العودة
7-عوائق السعادة